بشارة المسيح في يناير

1:23:00 م | | | 0تعليقات
بشارة المسيح في يناير

www-St-Takla-org--059-GiveUsBarabbas-give-us-barabbas.jpg
أطلق لنا باراباس (بارباس)، رسم الفنان تشارلز لويس مولر

حينما أُرسل المسيح عيسى -عليه السلام- إلي اليهود، لهديهم ويخرجوهم من ظلمات القهر والذل، إلي نور العزة والكرامة، ظنوا أنه "الميسا" المخلص، ومنقذهم مما هم فيه من اضطهاد، مذ بدأ شتاتهم في الأرض بالسبي البابلي، إلي طاغوت الحاكم الروماني. ويحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقرار، بدون حرب، أو جرائم، أو فقر، ولكي تمطر السماء عليهم فطيرًا وصوفًا مخيطة، ويعيد لهم الدينونة الكبرى، ومملكة يهوذا، ويهزم أعدائهم، ويستحوذ على أموالهم، ويدينوا جميع شعوب الأرض، لأنهم الشعب المختار، أو هكذا يظنون.

لكن حينما وجدوا أن ذلك "المسيح" يدعوهم إلي الله، وأن يقموا العدل فيما بينهم، وأن يغيروا ما بأنفسهم، ويحاربوا الفساد، وأن يقفوا للمفسدين يدًا واحدة، وأن "الميسا" ما هو إلا مَلِك روحي لهم، ومملكته ليست من هذا العالم الذي يعشيون فيه. حاربوه بكل ما أوتوا من قوة، حتى أنهم ساعدوا على إعتقاله ومحاكمته بالصلب والموت، كقاطع طريق ولص، بل حوكم مع لصين بالفعل.

وتمت محاكمت "المسيح" بدافع من مجلس الكهنة، بحجة أنه يهدد استقرار الدولة ويريد أن يسقط النظام، وقضوا أن يحاكم مدنيًا أما الناس بتهمت الإنقلاب على نظام الحكم، وبتمويل من الخارج، وأنه يريد أن يخرجهم من ذلك النظام العادل الذي جلب لهم الاستقرار والرخاء، ويستبدله بالخراب والإرهاب.

ولقد كان بيلاطس الوالي الروماني على اليهود، يعرف جيدًا براءة "المسيح" من التهم المنسوبة إليه، إلي أن عطش الشعب اليهود ومجلسه الكهنوتي في التخلص من ذلك الذي يدعي أنه "المسيا" بقتله وصلبه، لأنه لم يكن كما ظنون وفق مطامعهم في عودة مملكة داوود ليحكم العالم كما كانوا، ببساطة كده، بغير جهد أو تعب أو تضحيات، استقرار بدون ضريبة.

ومن العجيب أن العوام من اليهود طالبوا من "بيلاطس" أن يطلق صراح "باراباس"، ذلك الذي سعى في الأرض فسادًا، المسجون على ذمة قضايا قتل وأكل أموال الشعب، بدلاً من أن يطلبوا بعتق "المسيح" من الصلب والقتل -الذي جاء ليخلصهم مما كانوا فيه- بل أصروا أن يجعلوا منه عبرة لمن لا يعتبر، كما يفعل الرومان مع المجرمين الخطرين في مستعمراتهم مع اللصوص والعبيد المارقين منهم.

وعلى الرغم من تحقق كل النبوءات على يدي "المسيح"، لكن هذا لم يشفع لهم أنه "الميسا" المنتظر المخلَّص لهم، فلقد رأى -المجلس الأعلى للكهنة- أن هذا الرجل جاء يهدد سلطانهم ومصالحهم وسلطتهم على الشعب اليهودي، بعد ما تحولت عقيدتهم من الحفاظ على مقدرات هذا الشعب، إلي تكوين سلطة إقتصادية لمجلسهم وحاشيتهم، وباستعانة اليهود أنفسهم، ذاك الذي جاء من أجل أن ينهضوا، ويجعلهم الشعب المختار حقًا. لكنهم خذلوه، ووشوا به، لدرجة أن أحد تلاميذه المقربون منه دل على مكانه، وقام بتقبيل "المسيح" حتى يتعرف عليه الجنود الرومان كي يعتقلوه، فكانت قُبلت الخيانة من تلميذه، حتى باقي تلاميذه الذي كانوا من حوله، فروا هاربين خوفًا من أن يعتقلوا معه.

كان يمكن لليهود ان يخرجوا على المسيح ويقتلوه في الشارع، لكنهم أرادوا أن يجعلوا "كل شيء قانوني" فطلبوا من مجلس الكهنة الذي قام بدوره طلب من "بيلاطس" الوالي والقاضي "هيرودس"، أن يحكموا على المسيح بالقتل مصلوبًا، حتى يتقوا شر قتنة الشعب لو بقى على قد الحياة. على الرغم أنهم هم هؤلاء الرومان الذين قتلوهم وصلبوهم بذات الطريقة على يد "تطيس" أحد الحكام من قبل. حتى سمعان الذي حمل الصليب بيديه ولم يقدر على أن يعترض على الظلم الذي يقع على شخص ظنه مظلومًا، بل قال ليبرئ نفسه "أنا عبد المأمور" وكأنه لم يكن الأداة الذي يظلم الحكام ويقمع بها.

والطريف في الأمر أن القاضي "هيرودس" كان لا يستريح للوالي "بيلاطس"، وكان الآخر لا يقبل "مجلس الكهنة" ولا يحب ذاك الشعب اليهودي، ولكن حينما "المصالح تتصالح" اجتمعوا بقدرة قادر على أن يتخلصوا من ذلك "المسيح" المزعج الذي حاول تغيير الإستقرار الذي كانوا يعيشون فيه، وهم يرددون ولا يوم من أيامك يا قيصر.

ومع ذلك وحتى الآن واليهود ينتظرون "المسيا" المنتظر المخلص، في صورة الملك الجبار الذي سيجعلهم دولة قوية ومتقدمة... قد الدنيا... وهتبقى قد الدنيا.

لقد كان "المسيح" رجلاً وحده يقف بصدره وهتافه وبشارته، التي هز بها عرش القيصر وحكم الرومان ومجلس الكهنة وعوام اليهود، ولم يدعوا للعنف قط، حتى حينما أعتقلوه تدخل "بطرس" للدافع عنه، وقطع أذن أحد عبيد عضو مجلس الكهنة، إلي أنه رفض العنف وقال "لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون"، لأنه يؤمن بأن سلمية الثورة هو سلاحها الحي، وذهب معهم إلي مصير الصلب والقتل.

ولكن ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم أن تخصلوا منه... فحتما سيعود لأنه كان فكرة... والفكرة لا تموت... هذه هي الثورة.


هل أعجبك الموضوع ؟

مواضيع مشابهة :

ضع تعليقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعترض أو أتفق كيفما شئت، ولكن لا تبتزل.

جميع الحقوق محفوظة لمدونة مناضل كيبورد ©2013